هل سيحقق بايدن أهدافه من زيارته للسعودية ؟

- توفيق سلام -
تعدالولايات المتحدة والدول الأوروبية صاحبة مزاج استعماري بغيض وتفاخر بأذى المجتمعات ونهب ثرواتهم وإذلالهم مهما تواروا خلف حضارة مزيفة وديموقراطية كاذبة لم يعد لها من بريق. الحقيقة المؤكدة هو بعد تفكك الاتحاد السوفيتي عام 1991، واستفراد الولايات المتحدة بالعالم تحت هيمنة القطب الواحد لم تجد أمريكا من أحد يوقفها عن حدها. ثلاثة عقود من العبث بالعالم، لم تسلم منها بلد وإلا وطالها الأذى، وخصوصا منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا وآسيا الوسطى. كانت أوروبا في منأى عن ذلك، إلا أنها لم تسلم من اقحامها في الاصطفاف لمعاداة روسيا واتباع السياسة الأمريكية في فرض العقوبات عليها.

ركود اقتصادي
يرى محللون اقتصاديون أن الاقتصاد الأمريكي لن يتمكن من تجنب الركود، وأن ذلك مسألة وقت فقط، متوقعين اقتراب دخوله في "دوامة هبوط". نشرت مجلة الأعمال الألمانية في تقرير أن آراء الخبراء تتفق حول حتمية دخول الاقتصاد الأمريكي في حالة ركود، ويختلفون فقط حول مدى تأثره. وأشارت الصحيفة إلى أن الاقتصاد الأمريكي دخل في حالة من عدم الهدوء، كما أن الحالة المزاجية للأمريكيين ساءت بشكل ملحوظ في الأشهر الأخيرة، وأضافت أن "التضخم المرتفع الذي يشعر به المواطن الأمريكي، خاصة في محطات الوقود والمحلات التجارية، بدأ ينعكس على حياة الأمريكيين".
وكشفت الصحيفة في تقريرها أنه وفقا لاستطلاعات الرأي، يخشى ما يقرب من ثلثي الأمريكيين من أن البلاد يمكن أن تنزلق إلى الركود، في حين أن هذه المشاعر يشعر بها ليس المواطنون العاديون فحسب، بل يتقاسمها أيضا المتخصصون في مجال الاقتصاد. وتنبأ رئيس أكبر بنك أمريكي جيمي ديمون قبل أسابيع "بإعصار" يمكن أن يضرب الاقتصاد الأمريكي، بينما وصف رئيس شركة تسلا "إيلون ماسك" أن الركود "حتمي". ويبدو أن ارتفاع مؤشر حجم التضخم في الاقتصادات الأوروبية، وارتفاع معدلات غلاء الوقود وأسعار المواد الغذائية هو نتيجة سياسة العقوبات التي تتزايد إلى ما هو أسوأ.

زيارة بايدن للرياض
تمثل رحلة الرئيس الأمريكي بايدن الأسبوع المقبل إلى المملكة العربية السعودية، والتي تعهد ذات مرة بـ "عزلها"، تحسنا كبيرا في العلاقات الثنائية. لكن زيادة الطاقة الإنتاجية المتاحة لدى السعوديين وشركائهم في منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) والتي يمكنهم تقديمها مقابل هذا "التنازل السياسي"، لسيد البيت الأبيض محدودة. يتساءل بعض مراقبي السوق أيضا عما إذا كان عرض الاحتياطي الممكن سيهدئ أسواق الطاقة، أو يزيد الأمور سوءا ؟ المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة هما العضوان الوحيدان في أوبك اللذان لديهما إنتاج كبير غير مستغل. وتظهر الأرقام الرسمية من البلدين الخليجيين أن لديهما مخزونا مؤقتا يبلغ حوالى 3 ملايين برميل يوميا. ووفقا لوكالة الطاقة الدولية (IEA)، يمثل هذا الرقم حوالي 3٪ من إنتاج النفط العالمي، ويعادل تقريبا كمية النفط الروسي الذي تحاول إدارة بايدن إخراجه من السوق العالمية بالعقوبات الغربية بحلول نهاية العام الحالي. لكن مخزون الطوارئ العربي قد يكون أصغر حتى مما تشير إليه الأرقام الرسمية في الرياض وأبو ظبي.
وإذا استخدمت دول الخليج طاقتها الاحتياطية إلى أقصى حد، فقد يؤدي ذلك إلى نتائج عكسية. وهنا يشعر تجار النفط بالقلق حين لا يتبقى احتياطي في السوق العالمية لتغطية الاضطرابات المحتملة. وبصرف النظر عن جميع المخاطر والمكاسب المحتملة المرتبطة بتدفقات نفط أوبك الخام، فهناك مشكلة ملحة لا يمكن للممالك العربية أن تفعل الكثير لحلها، وهي نقص القدرة في جميع أنحاء العالم على إنتاج البنزين، ووقود الديزل وكيروسين الطيران. بحسب وكالة "بلومبرغ". فما فحوى هذه الزيارة إن لم يكن النفط؟
التصريحات الأمريكية المتناقضة تخفي المساعي الحقيقية وراء زيارة بايدن التي تأتي وسط حديث متزايد عن إعادة واشنطن نظرها في حضورها في الخليج العربي، وأنها تنوي الانسحاب من الشرق الأوسط لمواجهة التهديد الروسي والتعامل مع صعود الصين. لا شك أن هذا شأن أمريكي بحت، لكن من المهم أن تفهم وتتفهم واشنطن أن لدى دول الخليج العربي أيضا أجنداتها الوطنية الخاصة وأولوياتها الجيوسياسية المختلفة عن أولويات واشنطن بما في ذلك السير في تنويع شراكاتها وتعميق علاقاتها بالقوى العالمية الصاعدة. هذا التوجه الخليجي المستقبلي حري بالإدارة الامريكية أن تحترمه، ولا تعيق مساره أو تجيره لخدمة أجندات أمريكية لا تتطابق معها، وإنما تتوافق مع الأجندات الخليجية المستقبلية. إذ أن عدم تفهم هذا التوجه الخليجي المستقبلي يستحيل إقامة شراكة استراتيجية واعدة ومتوازنة.. حان الوقت أولا أن تتصالح الإدارة الأمريكية المتناقضة مع نفسها، ومع الحقائق الجيوسياسية خارج جغرافيتها. وينبغي أن تعترف أن هناك عالم جديد يتشكل وفق مصالح متبادلة ..

وأن الخليج يقع ضمن خارطة التوازنات الجيوسياسية الجديدة في نظرته المعاصرة والمستقبلية للتطور والازدهار، كما أنه على يقين بالمعرفة الكافية كيف يوظف نفطه وغازه وصناديقه السيادية لخدمة مصالحه الوطنية. ولدى قادة الخليج العربي الجدد قناعة أن الوقت حان لشراكة مختلفة عن ما كانت عليه في السابق، بل ترتقي إلى حالة من التوزان. فهل أمريكا مستعدة لتفهم رغبات وتطلعات قادة الخليج العربي الجدد الذين أكدوا عدم استعدادهم لمسايرة واشنطن في الصغيرة والكبيرة من الآن فصاعدا، وبلغوا من الثقة بحيث أنهم على أتم الاستعداد لقول لا لواشنطن. في الوقت نفسه تدرك دول الخليج أن النفط هو الذي دفع برأس البيت الأبيض زيارته للمنطقة. ولا بأس بأن يكون بايدن أكثر صراحة في الاعتراف بذلك، والاعتراف برفع زيادة الانتاج لتغطية السوق الأوروبية بدلا عن الوقود الروسي، هذا أولا، وثانيا توسيع سياسة التطبيع مع الكيان الصهيوني. وقد تكون دول الخليج العربي راغبة في تلبية طلب الشريك الأمريكي في رفع سقف إنتاج النفط، لكن هناك متغيرات كونية مطلوب من الإدارة الأمريكية التعاطي معها في النظام العالمي الجديد وهذا في الأخير ليس على حساب مصالح الخليجيين المعنيين في الاستجابة لكل هذه المتغيرات، مهما حاولت الولايات المتحدة بذل أقصى الجهود لاستبقاء هيمنتها على العالم وفق سياسة القطب الواحد التي تشكل إخطارا متزايدة على السلم العالمي.

زيادة إنتاج النفط
على مدى أشهر بعد فرض سياسة العقوبات على روسيا سعت الولايات المتحدة إلى إقناع السعوديين بزيادة إنتاج النفط وخفض الأسعار العالمية لتشديد الخناق الاقتصادي على روسيا، وإيجاد البديل عن الوقود الروسي لتغطية السوق الأوروبية. لكن جهود واشنطن باءت بالفشل حتى الآن، حيث رفضت السعودية مرارًا طلبات زيادة إنتاج النفط. ويعد أحد الأسباب الرئيسة لهذا الرفض هو الوضع الحالي لعلاقات الولايات المتحدة والسعودية بسبب ما أطلقه بايدن وعدا بجعل السعودية دولة منبوذة. واعتبر مراقبون سياسيون أن خطابه الانتخابي لن يتغير خلال فترة رئاسته. وبالفعل حافظت الإدارة الأمريكية وعلى وجه التحديد بايدن نفسه من "ابن سلمان" لأكثر من عام. ومنذ ذلك الحين ظلت العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية متوترة، ولم يحدث أي تواصل بين "بايدن" و "ابن سلمان"، لكن الآن وقد حدثت مستجدات دولية، وخصوصا بعد سياسة العقوبات التي كان مصيرها الفشل، بل كانت ارتداداتها السلبية على الولايات المتحدة والدول الغربية والعالم أجمع. فإن "بايدن" مستعد لتجاهل كل ذلك وتسوية الخلاف مع السعودية حتى يتمكن من تركيع روسيا حسب ضنونه البائسة، ويعد هذا هو السبب الرئيس لرحلة "بايدن" المرتقبة إلى السعودية ومقابلة "محمد بن سلمان" بنفسه. فهل ذلك يمثل انتصارا سياسيا ودبلوماسيا ل" ابن سلمان"، الذي واجه تهديدا مباشرا بعرقلة صعوده إلى عرش المملكة، وأن إدارة بايدن ستغير من سياستها لاسترضاء ولي العهد لإقناعه بخرق اتفاق "أوبك+" مع روسيا ؟ وهل ذلك سيجعل بايدن يحصل على مايريد بموافقة السعودية ؟ ما يبدو ظاهريا أن هناك متغيرات كونية، لاسيما وأن السياق الجيوسياسي العالمي قد تغير في الأشهر القليلة الماضية بعد أن حملت سياسة العقوبات على روسيا تداعيات مفاجئة على قطاع الطاقة العالمي، مما تسبب في أضرار مباشرة لأوروبا والولايات المتحدة، وأنها أمام أزمة ركود حقيقي، وكانت واشنطن قد بعثت في 26 مايو الماضي مسؤولين أمريكيين إلى السعودية لمناقشة "أنشطة إيران، وضمان إمدادات الطاقة العالمية، وغيرها من القضايا الإقليمية"، وفقًا لبيان البيت الأبيض. ويعد هذا منعطفًا كبيرًا للأحداث، حيث تحول الوضع من الضغط على الرياض عبر إنهاء الدعم الأمريكي للعدوان السعودي على اليمن إلى طلب الدعم السعودي في زيادة إنتاج النفط والغاز للحرب الشاملة التي تقودها الولايات المتحدة الأمريكية ضد روسيا. يبدو أن إدارة "بايدن" مستعدة لإحياء علاقاتها مع الرياض لإنعاش العلاقة التقليدية القائمة على الأمن مقابل النفط. أي أن الولايات المتحدة ستضمن الأمن السعودي ضد إيران، أما الرياض فستستخدم تأثيرها في "أوبك" للحفاظ على استقرار أسعار النفط. في حين أن الولايات المتحدة تأثرت بزيادة أسعار النفط، فإنها تنتج ما يكفي من النفط لتلبية احتياجاتها. لذلك، فإن السبب المحوري وراء تقرب إدارة "بايدن" من السعودية هو تأثير أسعار الطاقة العالمية على أوروبا. وإذا ما استمرت الدول الأوروبية في مواجهة التداعيات السلبية في مجال الطاقة والاقتصاد، فسيصبح من الصعب عليهم أكثر أن يستمروا في دعم الولايات المتحدة في سياسة العقوبات على روسيا، ودعم توسع الناتو للحفاظ على الهيمنة الأمريكية.

البحث عن بدائل
في الوقت الذي تنتاب إدارة بايدن المخاوف جراء التضخم الذي أصاب الاقتصاد الأمريكي ليصل إلى 8.6 والاقتصادات الغربية إلى 9.1، بالتزامن مع موجات الغلاء في أسعار الوقود والمواد الغذائية، والخشية من مضاعفاتها، حيث تشير تقارير خبراء الاقتصاد بإزدياد تصاعدها خلال الشتاء القادم، وقد تتضاعف في أي لحظة إذا ما قررت روسيا خفض امتداد الوقود. فإن مساعي الإدارة الأمريكية هو قطع هذه العلاقات الاقتصادية الروسية - الأوروبية من الأصل، لكن ليس قبل أن تجد البدائل لتغطية العجز في السوق الأوروبية يكون بديلا للطاقة الروسية وهو ما قررت إدارة "بايدن" الآن التقرب من السعودية لزيادة إنتاج النفط، وبالتالي خفض أسعار الطاقة لمساعدة الدول الأوروبية على تجاوز الأزمة وتعزيز جهودها في استمرار حملة المعاداة ضد روسيا.
ومع انخفاض أسعار الطاقة، يمكن للولايات المتحدة الاستمرار في استخدام الدعم الأوروبي ضد روسيا. وأصبح هذا أكثر وضوحًا في قرار أوروبا الأخير بتقليص إمدادات النفط من روسيا على مراحل بحلول نهاية العام الحالي، واعتماد مصادر نفطية بديلة من السعودية ودول أخرى في المنطقة. لكن هل ستلتزم السعودية بذلك ؟ هنا ستظهر الحسابات السياسية للسعودية، وخصوصا في هذه المرحلة التاريخية الفاصلة، وهي أمام خيارين، أما أن تبقى تحت العباءة الأمريكية في تنفيذ أجندتها، أو أن تقرر توجها جديدا قائما على سياسة التوازنات. وفي الحالة الأولى يعني أن تستجيب السعودية لاغراقها بمشاريع كبيرة من ضمنها التطبيع مع الكيان الصهيوني، ومن ثم الدخول في تحالفات عسكرية مع الكيان الصهيوني لحروب طويلة مع إيران ودول المنطقة. أما في الحالة الثانية تكون على مسافة واحدة في علاقتها مع الجميع، بما يخدم مصالحها العليا.
 
زيارة لفروف للسعودية
 زيارة وزير الخارجية الروسية "سيرجي لافروف" مؤخرا إلى السعودية، تأتي في سياق ضبط إيقاع أسعار الوقود، وعدم زيادة سقف الإنتاج، وقد أشار "لافروف" ونظيره السعودي إلى "استقرار أسواق الطاقة نتيجة التنسيق الوثيق بين روسيا والسعودية في هذا المجال الاستراتيجي الهام". وبينما تحرص السعودية على الانخراط مع إدارة "بايدن"، فإنهم يعلمون أن التقارب مع "بايدن" قد يكون مؤقتًا للغاية، وأن الدعم سيتلاشى بمجرد انتهاء الأزمة الأوكرانية. وتشير زيارة "لافروف"، والالتزامات التي تم الإعلان عنها إلى عدم صحة تقارير وسائل الإعلام الغربية التي زعمت أن الشرق الأوسط يضغط لقطع علاقات روسيا بـ"أوبك". قال وزير الخارجية السعودي إن المملكة مستعدة للعب دور في التوصل إلى "حل سياسي" للأزمة. لذلك، لا تزال إمكانية نجاح "بايدن" في إقناعهم بالوقوف ضد روسيا ضئيلة للغاية..!
أما بالنسبة لآفاق تقديم "الأمن" للسعودية ضد إيران في مقابل زيادة الإنتاج النفطي، فقد أصبحت أقل جاذبية مع النجاح النسبي للمفاوضات بين إيران والسعودية، خاصة في أعقاب وقف إطلاق النار في اليمن. إذ أن مساعي "بايدن" لترميم العلاقات المؤقتة في مقابل الحصول على النفط والغاز، وإدخال دول المنطقة في صراعات دامية مع جوارها الاقليمي، تكون السعودية قد وجدت طريقة للتعامل مع مشاكلها الإقليمية بشكل مباشر ودون مواجهة. والأهم من ذلك، أن أي صفقة سعودية مع إيران ستشمل أيضًا روسيا كضامن محتمل بين الطرفين. وبالتالي، فإن الحفاظ على العلاقات مع روسيا، ومع الصين وغيرهما ستكون ذات جدوى جيوسياسية للانفتاح مع العالم الخارجي في بناء الشراكات الاقتصادية الواسعة في التجارة الحرة، وفي سياق سياسة التعدد القطبي بدلا من سياسة الاحتواء، وجعل الدول رهائن للسياسات الأمريكية والتحكم في مصيرها. لذلك، فعندما يزور "بايدن" السعودية سيجد أمورا كثيرة مختلفة، عما كان عليه حتى عصر "ترامب". وسيكون تحدي "بايدن" هو تجاوز وعده بالقضاء سياسياً على الحاكم الذي يحتاجه الآن..!