الشرعية تذر الرماد على العيون وتشارك في حرب أخرى على اليمن واليمنيين

YNP /  إبراهيم القانص -

الإرث الحضاري والتاريخي هو ما يعبر عن كينونة أي أمة وطبيعتها ونتاجها التاريخي، وتبعاً لذلك تصبح تلك الأمة ذات خصوصية متفردة تميزها عن غيرها من الأمم، فتكون لها هوية منفردة وجوهر تنتج عنه منظومة من القيم والمُثُل، واليمن إحدى هذه الأمم بل أبرزها انتماء للحضارة كونها الأقدم، وأكثرها استقلالاً وحفاظاً على موروثها الذي يمثل هويتها وعمقها التاريخي كواحدة من أولى الحضارات على وجه الأرض. 

لم يرُق لبعض دول الجوار أن تظل اليمن متمسكة بهويتها ومكانتها الحضارية التاريخية، لأن تلك الدول لم تستطع بأموالها تغيير حقيقة كونها طارئة على التاريخ وربما على الجغرافيا، ولأنها نتيجة هذا الفقر التاريخي الحضاري سقطت بمجرد وصول تيارات العولمة التي تفرض نمطاً ثقافياً واحداً ملغيةً ومقزمةً ومقصيةً ومستغلة الكثير من ثقافات وحضارات الأمم خصوصاً الشرق أوسطية، وانجرفت بعض دول الجوار تلك بعيداً عمّا كان قد تشكل في مجتمعاتها من منظومات قيمية وأخلاقية وأعراف تكونت كحتمية للانتماء الديني والعربي، ولا تزال أنظمتها تعمل على تغريب ثقافاتها وأعرافها مجاراة لموجات العولمة، وكان انجرافها سريعاً كونها فقيرة، ليس من المال وإنما للعمق والانتماء الحضاري التاريخي. 

ومنذ التدخل العسكري للتحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، والذي بدأ عام 2015، تتزعم الرياض وحليفتها أبوظبي حرباً موازية لحربهما العسكرية، متمثلة في تدمير الموروث والثقافة والهوية اليمنية الحضارية والتاريخية، وبكل جد وجهد تحاولان إسقاط نموذجهما الساقط في التغريب على المناطق اليمنية الواقعة تحت سيطرة التحالف والشرعية الموالية له، وكأن السعودية لن تتوقف عند تبني الانحلال القيمي والأخلاقي في مدنها ومحافظاتها بل تسعى جاهدةً لتقديم هذا النمط المتفسخ كما لو كان هو الوضع الطبيعي لما يجب أن تكون عليه المجتمعات العربية، وخصوصاً اليمن التي تتعرض الآن لأكبر حملة لطمس هويتها التي طالما ميزتها عن غيرها من الأمم، من خلال خطط مدروسة وممنهجة تنفذها الدولتان الخليجيتان عبر أدواتهما المحلية، وها هي صحيفة "عكاظ" السعودية تنشر تسجيلات مرئية عبر موقعها الإلكتروني لمشاهد وصفتها بأجواء الغناء والطرب والرقص في الساحل الذهبي بمدينة عدن، وحسب تعبير مساعد رئيس تحرير صحيفة عكاظ عبدالله آل هتيلة فإن عدن عاشت ليلة استثنائية حتى مطلع الفجر، في إيحاء ضمني إلى النموذج الذي أصبح سائداً في المدن السعودية التي حلتها السياسات والتوجهات الجديدة للنظام من عقال الأعراف والالتزامات المجتمعية.

 في السياق نفسه، تؤسس الإمارات لنمط ثقافي جديد في المناطق اليمنية التي تسيطر عليها، خصوصاً أرخبيل سقطرى، يجرف النمط اليمني الأصيل القائم على جذور تاريخية حضارية وسجلات مكتظة بالأمجاد والسمو، على المستويات كافة، ولم تتوقف أبوظبي عن تجريف تراث وثقافة الأرخبيل ونمطه التاريخي، سواء من حيث استحداث مهرجان ثقافي يحمل اسم مؤسس دولتهم الناشئة "مهرجان زايد"، أو من حيث تفويج مئات الإسرائيليين ومنحهم حرية النشاط والتنقل داخل جزر الأرخبيل ومدنه وقراه، والتقاطهم الصور المخلة المسيئة لأعراف أبناء الجزيرة وأخلاقهم، أما سلوكيات الإمارات في بقية مناطق سيطرتها، فمعروفة من خلال الانتشار غير المسبوق للمخدرات والجريمة الأخلاقية، حيث يقف خلفها ضباط إماراتيون تتواطأ معهم ومع نظامهم حكومة الشرعية وتسهل لهم كل نشاطهم الذي يمس بسيادة وهوية شعب بأكمله، ولا تزال تذر الرماد على عيون ملايين اليمنيين في مناطق سيطرتها وتدعي شرعيتها  وهي لا تملك قراراً ولا رأياً، وليس لها مهمة سوى تسهيل مصادرة البلاد أرضاً وثروةً وتاريخاً وثقافة.